اغتياله بالسم:
كان الإمام يتمتع بشعبية هائلة، فقد تحدث الناس - بإعجاب - عن علمه وفقهه
وعبادته، وعجبت الأندية بالتحدث عن صبره، وسائر ملكاته، وقد احتل قلوب
الناس وعواطفهم، فكان السعيد من يحظى برؤيته، والسعيد من يتشرف بمقابلته
والاستماع إلى حديثه، وقد شق ذلك على الأمويين، وأقضّ مضاجعهم وكان من أعظم
الحاقدين عليه الوليد بن عبد الملك، فقد روى الزهري أنه قال: (لا راحة لي،
وعلي بن الحسين موجود في دار الدنيا)(1) وأجمع رأي هذا الخبيث الدنس على
اغتيال الإمام حينما آل إليه الملك والسلطان، فبعث سماً قاتلاً إلى عامله
على يثرب، وأمره أن يدسه للإمام(2) ونفذ عامله ذلك، وقد تفاعل السم في بدن
الإمام، فأخذ يعاني أشد الآلام وأقساها، وبقي حفنة من الأيام على فراش
المرض يبث شكواه إلى الله تعالى، ويدعو لنفسه بالمغفرة والرضوان، وقد تزاحم
الناس على عيادته، وهو (عليه السلام) يحمد الله، ويثني عليه أحسن الثناء
على ما رزقه من الشهادة على يد شر البرية
وصاياه لولده الباقر:
وعهد الإمام زين العابدين إلى ولده الإمام محمد الباقر (عليهما السلام) بوصاياه، وكان مما أوصاه به ما يلي:
1- أنه أوصاه بناقته، فقال له: إني حججت على ناقتي هذه عشرين حجة لم أقرعها
بسوط، فإذا نفقت فادفنها، لا تأكل لحمها السباع، فإن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) قال: ما من بعير يوقف عليه موقف عرفة سبع حجج إلا جعله الله من
نعم الجنة، وبارك في نسله ونفذ الإمام الباقر ذلك
2- أنه أوصاه بهذه الوصية القيمة التي تكشف عن
الجوانب المشرقة من نزعات أهل البيت (عليهم السلام) فقد قال له: (يا بني
أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، فقد قال لي: يا بني إياك وظلم
من لا يجد عليك ناصراً إلا الله)
3- أنه أوصاه أن يتولى بنفسه غسله وتكفينه وسائر شؤونه حتى يواريه في مقره الأخير.
إلى جنة المأوى:
وثقل حال الإمام، واشتد به المرض، وأخذ يعاني آلاماً مرهقة، فقد تفاعل السم
مع جميع أجزاء بدنه، وأخبر الإمام أهله أنه في غلس الليل البهيم سوف ينتقل
إلى الفردوس الأعلى، وأغمي عليه ثلاث مرات، فلما أفاق قرأ سورة الفاتحة
وسورة (إنا فتحنا) ثم قال (عليه السلام): (الحمد لله الذي صدقنا وعده،
وأورثنا الجنة نتبوأ منها حيث نشاء فنعم أجر العاملين)
وارتفعت روحه العظيمة إلى خالقها كما ترتفع أرواح الأنبياء والمرسلين، تحفها بإجلال وإكبار ملائكة الله، وألطاف الله وتحياته
لقد سمت تلك الروح العظيمة إلى خالقها بعد أن أضاءت آفاق هذه الدنيا بعلومها وعبادتها وتجردها من كل نزعة من نزعات الهوى
تجهيزه:
وقام الإمام أبو جعفر الباقر بتجهيز جثمان أبيه، فغسل جسده الطاهر، وقد رأى
الناس مواضع سجوده كأنها مبارك الإبل من كثرة سجوده لله تعالى، ونظروا إلى
عاتقه كأنه مبارك الإبل، فسألوا الباقر عن ذلك، فقال أنه من أثر الجراب
الذي كان يحمله على عاتقه، ويضع فيه الطعام، ويوزعه على الفقراء والمحرومين
وبعد الفراغ من غسله أدرجه في أكفانه، وصلى عليه الصلاة المكتوبة
تشييعه:
وجرى للإمام تشييع حافل لم تشهد يثرب له نظيراً فقد شيعه البر والفاجر،
والتفت الجماهير حول النعش العظيم والهين جازعين في بكاء وخشوع، وإحساس
عميق بالخسارة الكبرى، فقد فقدوا بموته الخير الكثير، وفقدوا تلك الروحانية
التي لم يخلق لها مثيل لقد عقلت الألسنة، وطاشت العقول بموت الإمام،
فازدحم أهالي يثرب على الجثمان المقدس فالسعيد من يحظى بحمله، ومن الغريب
أن سعيد بن المسيب أحد الفقهاء السبعة في المدينة لم يفز بتشييع الإمام
والصلاة عليه، وقد أنكر عليه ذلك حشرم مولى أشجع، فأجابه سعيد: أصلي ركعتين
في المسجد أحب إلي من أن أصلي على هذا الرجل الصالح في البيت الصالح
وهو اعتذار مهلهل فإن حضور تشييع جنازة الإمام (عليه السلام) الذي يحمل هدي الأنبياء من أفضل الطاعات وأحبها عند الله تعالى
في مقره الأخير:
وجيء بالجثمان الطاهر وسط هالة من التكبير والتحميد
إلى بقيع الغرقد، فحفروا له قبراً بجوار قبر عمه الزكي الإمام الحسن سيد
شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنزل الإمام
الباقر (عليه السلام) جثمان أبيه فواراه في مقره الأخير، وقد وارى معه
العلم والبر والتقوى، ووارى معه روحانية الأنبياء والمتقين
وبعد الفراغ من دفنه هرع الناس نحو الإمام الباقر، وهم يرفعون إليه تعازيهم
الحارة، ويشاركونه في لوعته وأساه، والإمام مع أخوته وسائر بني هاشم
يشكرونهم على مشاركتهم في الخطب الفادح الجلل والمصاب العظيم!!
السلام عليك ياامامي
وسيدي زين العابدين والساجدين
وعلى جديك وجدتك وامك وابيك
وعلى عمك الحسن الزكي
وعلى عمتك ام المصائب زينب
وعلى اخواتك واخوانك وعماتك ونسائك
وعلى ابيك الحسين وانصاره
بابي انتم وامي طبتم وطابت الارض التي فيها دفنتم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق