نور الأمداد

نور الأمداد
صور نور الأمداد

الأحد، 9 ديسمبر 2012

ذكرى استشهاد الإمام السجاد عليه السلام 25 محرم



اللهم صلّ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف




ذكرى استشهاد الإمام السجاد عليه السلام 25 محرم







نقدم أحر آيات التعازي والمواساة إلى النبي

والإمام علي والإمام الحسن والإمام الحسين

والإمام الحجة صلوات الله عليهم أجمعين

بمناسبة استشهاد زين العابدين الإمام

علي بن الحسين السجاد سلام الله عليه

كما نتقدم بالتعازي إلى الأمة الإسلامية

وإلى العلماء الأبرار الأخيار

والمراجع العظام وإلى شيعة أهل البيت




سيرة الإمام علي بن الحسين السجاد



الإسم: علي

اللقب : زين العابدين

الكنية: أبو الحسن (أبو محمد)

اسم الأب : الحسين بن علي

اسم الأم : شاه زنان

الولادة : 5 شعبان 38 ه

الشهادة : 25 محرم 95ه

مدة الإمامة: 35 سنة

القاتل : هشام بن عبد الملك

مكان الدفن : البقيع




رغم أن
الامام علي بن الحسين كان ابن اثنتي وعشرين سنة عندما حصلت واقعة كربلاء
وقتل الحسين إلاّ أنه نجا من القتل بعناية الله تعالى حيث كان مريضاً طريح
الفراش لا يقوى على حمل السلاح، فاستلم زمام الامامة ليكمل مسيرة أبيه
الحسين في مواجهة الطغاة ونشر تعاليم الاسلام الحنيف




شخصية علي بن الحسين (ع) :


امتاز علي بن الحسين بقوة الشخصية وبعد النظر فضلاً عن
العلم والتقوى حتى عرف بزين العابدين. وقد سعى لتكريس حياته كلها لإبراز
خصائص الثورة الحسينية وتحقيق أهدافها في مواجهة المشروع الأموي الذي كان
يشكل الخطر الأكبر على الاسلام. وقد تجلّى دوره العظيم في عدة مجالات نذكر
أهمها:




1- الإمام السجاد (ع) في الكوفة:


يدخل موكب السبايا إلى الكوفة، تتقدمه السيدة زينب بطلة كربلاء، والإمام السجاد
. ويحتشد الناس لاستقبال الموكب. ويدخل أبناء علي بن ابي طالب إلى الكوفة
حيث جعلها علي حاضرة البلاد الإسلامية بالأمس القريب. وتتقدّم زينب بين
الناس وكأنها لم تغادرهم بالأمس القريب مع أخيها الحسين إلى المدينة. وأهل
الكوفة يعلمون جيداً من هم هؤلاء السبايا والأسرى. لذلك أراد الإمام السجاد
أن يصوّر لهم حجم المجزرة التي تسبّبوا بها بخذلانهم إمامهم الحسين : "أنا
ابن من انتهكت حرمته وسلبت نعمته وانتهب ماله وسبي عياله، أنا ابن المذبوح
بشط الفرات من غير دخل ولا ترات.." ويعلو البكاء فيقطعه صوت زينب‏ :
"فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً فلقد ذهبتم بعارها وشنارها قُتل سليل خاتم
النبوة وسيد شباب أهل الجنة فتعساً لكم وسحقاً فلقد خاب السعي وتبّت الأيدي
وبئتم بغضب من الله ورسوله.." لقد سمعوا من خلالها صوت علي بن أبي طالب
خليفتهم وهو يستصرخهم ويخاطب ضمائرهم فاهتز وجدانهم لذلك واعترتهم موجة من
السخط والغليان لا تلبث إلاّ قليلاً حتى تتفجر ثورات وبراكين لتضيف
مسمماراً إلى نعش المشروع الأموي الطاغي




2- الإمام السجاد (ع) في الشام:


وانتقل الموكب إلى الشام حيث يوجد الخليفة يزيد بن معاوية
الذي يريد أن يستشعر بنشوة النصر فأقاموا له عيداً وفرحاً كبيراً. لقد
انتصر "خليفة رسول الله!!!" ولكن على مَنْ؟! إنهم لا يعرفون حقيقة هؤلاء
الأسرى والسبايا، فانبرى الإمام السجاد
ليكشف لهم الحقيقة: "أيها الناس، أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا،
أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا، أنا ابن من صلى بملائكة السما، أنا ابن
من أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن خديجة
الكبرى، أنا ابن المرمّل بالدما، أنا ابن ذبيح كربلاء..." وانقلب العيد إلى
دهشة غمرت الوجوه، وتحولت الفرحة إلى تساؤلات ترتسم في الأذهان. وانفلت
زمام الأمر من يد يزيد، لقد فضحت هذه الكلمات الحكم الأموي وساهمت في
تعريته أمام أهل الشام




تفاعلات ثورة كربلاء:

فتحت ثورة الحسين وحركة الإمام السجاد
في الكوفة والشام، الباب على مصراعيه أمام ثورات لاحقة كانت تنفجر من حين
لاخر. وتختلف فيما بينها. إلاّ أنها تجتمع على أمر واحد. وهو مقارعة
المشروع الأموي لقد كسر الإمام الحسين الحاجز، وساهم الإمام السجاد في إثارة الرأي العام، فكانت ثورة المدينة بقيادة عبد الله بن حنظلة الأنصاري الذي طرد ال أمية من المدينة


ثم جاءت ثورة مكة بقيادة عبد الله بن الزبير التي لم تنتهِ
إلاّ بعد محاصرة مكة ورميها بالمنجنيق، ثم انفجرت ثورة التوابين بقيادة
سليمان بن صرد الخزاعي تحت شعار


" وجوب التكفير عن ذنبهم لعدم نصرتهم الحسين "

وأخيراً جاءت ثورة المختار الثقفي الذي تتبَّع قتلة الحسين
فقتل منهم مائتين وثمانين رجلاً منهم عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد والشمر
بن ذي الجوشن.




طبيعة عمل الإمام (ع) :


استخدم الإمام
زين العابدين الدعاء كوسيلة تربوية إصلاحية وأثار في أدعيته كل القضايا
التي تهم الإنسان والمجتمع وقد جمعت تلك الأدعية في كتاب عُرف فيما بعد
بالصحيفة السجادية، كما كان يعقد الحلقات الدينية والفكرية في مسجد الرسول
حتى أصبحت مجالسه محجّة للعلماء والفقهاء وتخرج من هذه المدرسة قيادات
علمية وفكرية حملت العلم والمعرفة والإرشاد إلى كافة البلاد الإسلامية ولم
يترك الإمام
بحكم كونه إماماً الجانب الإنساني والاجتماعي حيث نجد في الروايات أنه كان
يخرج في الليالي الظلماء يحمل الجراب على ظهره. فيقرع الأبواب ويناول
أهلها من دون أن يُعرف، كما كان يشتري في كل عام مئات العبيد ليحررهم في
الفطر والأضحى بعد أن يربيهم التربية الاسلامية المباركة




منزلة الامام علي بن الحسين (ع) عند المسلمين:


حج هشام بن عبد الملك فحاول أن يلمس الحجر الأسود فلم يستطع
من شدة الازدحام فوقف جانباً، وإذا بالامام مقبلاً يريد لمس الحجر فانفرج
له الناس ووقفوا جانباً تعظيماً له حتى لمس الحجر وقبله ومضى فعاد الناس
الى ما كانوا عليه. فانزعج هشام وقال: من هذا؟ وصادف أن كان الفرزدق الشاعر
واقفاً فأجابه هذا علي بن الحسين بن علي ثم أنشد فيه قصيدته المشهورة التي
يقول فيها:


هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم

زوجاته وأولاده :

تزوج الامام علي بن الحسين من ابنة عمه فاطمة بنت الحسن
فأنجبت له محمد الباقر وسائر أولاده هم من إماء، وكان أبرزهم زيد بن علي
الشهيد الذي تنسب له الشيعة الزيدية




شهادة الإمام (ع) :


هذه المسيرة الإصلاحية الهادفة لم تخفَ عن عيون عبد الملك بن مروان التي بثّها في المدينة لتراقب تحركات الإمام فسرعان ما تبرّم هذا الحاكم من حركة الإمام التي أثمرت في توسيع القاعدة الشعبية والفكرية المتعاطفة معه. فاعتقله وأحضره إلى دمشق مقيداً، لكن قوّة شخصية الإمام أثارت الاحترام في نفس السلطان فأمر بإطلاقه وإعادته سالماً إلى المدينة. وأخيراً قرّر الوليد بن عبد الملك تصفية الإمام فأوعز إلى أخيه سليمان فدسّ السم له


للمطالعة


الفرزدق وهشام


مع أنّ هشام بن عبد الملك كان ولياً للعهد في ذلك الوقت الذي بلغت فيه الدولة الأموية أوج عظمتها وتسلّطها. إلاَّ أنه لم يستطع الوصول إلى (الحجر الأسود) بعد أن أتمّ طواف الكعبة، بالرغم من محاولته اليائسة

كان حُجَّاج بيت الله الحرام يرتدون لباساً واحداً هو لباس
الإحرام، وكانوا مشغولين بأعمال واحدة هي أعمال الحج، وكانوا مستغرقين
بأحاسيسهم الأخروية التي تشغلهم عن كل شخصية ومقام فكانوا بذلك سواسية لا
يفرّق بينهم شيء


أما هشام فكان قد جلب معه الرجال والحشم ليحفظوا له أبّهته وفخامته، وكان هؤلاء صاغرين ازاء عظمة الحجّ وسموّه المعنوي

كرَّر هشام محاولته اليائسة للمس الحجر ولكنه رجع خائباً
لشدة الازدحام واجتماع الخلق، فأمر بأن ينصب له عرش على مكان مرتفع حتى
يقيّض له النظر إلى الحجيج وليملأ عينيه بتفرجه على هذا الاجتماع المهيب


وبينما هو وحاشيته على هذه الحال إذ
شاهد رجلاً يعلو سيماءه التقوى والورع، يغطي جسمه قميص أبيض مثل سائر
الحجاج، بدأ بالطواف حول الكعبة ثم توجه بخطوات مطمئنة يريد لمس الحجر
الأسود، فلما راه الناس انفرجوا قسمين وتنحّوا عنه هيبةً وإجلالاً


دُهش الشاميّون لهذا المنظر العجيب ولم يستطيع أحد أن يمسك نفسه عن أن يسأل هشام قائلاً: من هذا يا أمير المؤمنين؟

فأجاب هشام: لا أعرفه

والحقيقة أن هشاماً كان يعرفه حق المعرفة إلاَّ أنه قال ذلك حتى لا يرغب أهل الشام به

ترى من الذي يملك الجرأة في تعريف هذا الشخص.. ومن ذا الذي لا يخاف سيف هشام وسطوته، فيقدم على تعريف الرجل الشامي بهذا الرجل؟

لم يوجد من هو أشجع من الفرزدق الذي لم يبالِ بما سيلحقه من تشرّد وأذى إن هو أجاب، فقال: أنا أعرفه!

فقال الشامي: من هو يا أبا فراس؟

فأنشأ الفرزدق قصيدته الغرَّاء في مدح الامام زين العابدين، علي بن الحسين والتي منها:


هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم

هذا التقي النقي الطاهر العلم

وليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من انكرت والعجم



فغضب هشام لسماع هذه القصيدة وقال
للفرزدق: ألا قلت فينا مثلها؟ فقال الفرزدق: هات جداً كجده وأباً كأبيه
وأماً كأمه حتى أقول فيك مثلها؟ فأمر هشام بحبسه في )عسفان( بين مكة
والمدينة فحُبس ولكنه لم يأبه بذلك، فلما بلغ خبره علي بن الحسين بعث إليه
باثني عشر الف درهم وقال: اعذرنا يا أبا فراس فلو كان عندنا أكثر من هذا
لوصلناك به، فردها الفرزدق وقال:


يا ابن رسول الله ما قلت فيك الذي قلت إلاَّ غضباً لله ورسوله وما كنت أريد أن أرزق عليه شيئاً. فردَّها الامام ثانية إليه وقال: بحقي عليك، تقبَّلها فقد رأى الله مكانك وعلم نيّتك، عند ذلك قبلها الف
 




اغتياله بالسم:

كان الإمام يتمتع بشعبية هائلة، فقد تحدث الناس - بإعجاب - عن علمه وفقهه
وعبادته، وعجبت الأندية بالتحدث عن صبره، وسائر ملكاته، وقد احتل قلوب
الناس وعواطفهم، فكان السعيد من يحظى برؤيته، والسعيد من يتشرف بمقابلته
والاستماع إلى حديثه، وقد شق ذلك على الأمويين، وأقضّ مضاجعهم وكان من أعظم
الحاقدين عليه الوليد بن عبد الملك، فقد روى الزهري أنه قال: (لا راحة لي،
وعلي بن الحسين موجود في دار الدنيا)(1) وأجمع رأي هذا الخبيث الدنس على
اغتيال الإمام حينما آل إليه الملك والسلطان، فبعث سماً قاتلاً إلى عامله
على يثرب، وأمره أن يدسه للإمام(2) ونفذ عامله ذلك، وقد تفاعل السم في بدن
الإمام، فأخذ يعاني أشد الآلام وأقساها، وبقي حفنة من الأيام على فراش
المرض يبث شكواه إلى الله تعالى، ويدعو لنفسه بالمغفرة والرضوان، وقد تزاحم
الناس على عيادته، وهو (عليه السلام) يحمد الله، ويثني عليه أحسن الثناء
على ما رزقه من الشهادة على يد شر البرية


وصاياه لولده الباقر:

وعهد الإمام زين العابدين إلى ولده الإمام محمد الباقر (عليهما السلام) بوصاياه، وكان مما أوصاه به ما يلي:

1- أنه أوصاه بناقته، فقال له: إني حججت على ناقتي هذه عشرين حجة لم أقرعها
بسوط، فإذا نفقت فادفنها، لا تأكل لحمها السباع، فإن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) قال: ما من بعير يوقف عليه موقف عرفة سبع حجج إلا جعله الله من
نعم الجنة، وبارك في نسله ونفذ الإمام الباقر ذلك

2- أنه أوصاه بهذه الوصية القيمة التي تكشف عن
الجوانب المشرقة من نزعات أهل البيت (عليهم السلام) فقد قال له: (يا بني
أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، فقد قال لي: يا بني إياك وظلم
من لا يجد عليك ناصراً إلا الله)


3- أنه أوصاه أن يتولى بنفسه غسله وتكفينه وسائر شؤونه حتى يواريه في مقره الأخير.


إلى جنة المأوى:

وثقل حال الإمام، واشتد به المرض، وأخذ يعاني آلاماً مرهقة، فقد تفاعل السم
مع جميع أجزاء بدنه، وأخبر الإمام أهله أنه في غلس الليل البهيم سوف ينتقل
إلى الفردوس الأعلى، وأغمي عليه ثلاث مرات، فلما أفاق قرأ سورة الفاتحة
وسورة (إنا فتحنا) ثم قال (عليه السلام): (الحمد لله الذي صدقنا وعده،
وأورثنا الجنة نتبوأ منها حيث نشاء فنعم أجر العاملين)

وارتفعت روحه العظيمة إلى خالقها كما ترتفع أرواح الأنبياء والمرسلين، تحفها بإجلال وإكبار ملائكة الله، وألطاف الله وتحياته

لقد سمت تلك الروح العظيمة إلى خالقها بعد أن أضاءت آفاق هذه الدنيا بعلومها وعبادتها وتجردها من كل نزعة من نزعات الهوى


تجهيزه:



وقام الإمام أبو جعفر الباقر بتجهيز جثمان أبيه، فغسل جسده الطاهر، وقد رأى
الناس مواضع سجوده كأنها مبارك الإبل من كثرة سجوده لله تعالى، ونظروا إلى
عاتقه كأنه مبارك الإبل، فسألوا الباقر عن ذلك، فقال أنه من أثر الجراب
الذي كان يحمله على عاتقه، ويضع فيه الطعام، ويوزعه على الفقراء والمحرومين
وبعد الفراغ من غسله أدرجه في أكفانه، وصلى عليه الصلاة المكتوبة


تشييعه:


وجرى للإمام تشييع حافل لم تشهد يثرب له نظيراً فقد شيعه البر والفاجر،
والتفت الجماهير حول النعش العظيم والهين جازعين في بكاء وخشوع، وإحساس
عميق بالخسارة الكبرى، فقد فقدوا بموته الخير الكثير، وفقدوا تلك الروحانية
التي لم يخلق لها مثيل لقد عقلت الألسنة، وطاشت العقول بموت الإمام،
فازدحم أهالي يثرب على الجثمان المقدس فالسعيد من يحظى بحمله، ومن الغريب
أن سعيد بن المسيب أحد الفقهاء السبعة في المدينة لم يفز بتشييع الإمام
والصلاة عليه، وقد أنكر عليه ذلك حشرم مولى أشجع، فأجابه سعيد: أصلي ركعتين
في المسجد أحب إلي من أن أصلي على هذا الرجل الصالح في البيت الصالح

وهو اعتذار مهلهل فإن حضور تشييع جنازة الإمام (عليه السلام) الذي يحمل هدي الأنبياء من أفضل الطاعات وأحبها عند الله تعالى


في مقره الأخير:

وجيء بالجثمان الطاهر وسط هالة من التكبير والتحميد
إلى بقيع الغرقد، فحفروا له قبراً بجوار قبر عمه الزكي الإمام الحسن سيد
شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنزل الإمام
الباقر (عليه السلام) جثمان أبيه فواراه في مقره الأخير، وقد وارى معه
العلم والبر والتقوى، ووارى معه روحانية الأنبياء والمتقين


وبعد الفراغ من دفنه هرع الناس نحو الإمام الباقر، وهم يرفعون إليه تعازيهم
الحارة، ويشاركونه في لوعته وأساه، والإمام مع أخوته وسائر بني هاشم
يشكرونهم على مشاركتهم في الخطب الفادح الجلل والمصاب العظيم!!



السلام عليك ياامامي

وسيدي زين العابدين والساجدين

وعلى جديك وجدتك وامك وابيك

وعلى عمك الحسن الزكي

وعلى عمتك ام المصائب زينب

وعلى اخواتك واخوانك وعماتك ونسائك

وعلى ابيك الحسين وانصاره

بابي انتم وامي طبتم وطابت الارض التي فيها دفنتم
























 


قفل تقارير هذه المساهمة


إن الحديث عن الإمام السجاد (ع) وكتابة سيرته عمل صعب، لأن أساس التعرف من قبل الناس على هذا الإمام تم في أجواء غير مساعدة إطلاقاً.
ففي ذهن أغلب كتّاب السيرة والمحللين أن هذا الانسان العظيم قد انزوى
للعبادة ولم يكن له أي تدخل في السياسة. حتى أن بعض المؤرخين وكتّاب السيرة
ذكروا هذه المسألة بشكل صريح، أما الذين لم يقولوا هذا الأمر بصراحة فإن
مفهومهم عن حياة الإمام السجاد (ع) ليس سوى هذا الأمر. وهذا المعنى موجود
في الألقاب التي تنسب اليه والتعابير التي يطلقها الناس عليه: كما يطلق
البعض
(المريض) لقباً له، في حين أن مرضه لم يستغرق أكثر من عدة أيام في واقعة عاشوراء. ومن الطبيعي أن كل انسان يمرض في حياته عدة أيام، وإن
كان مرض الإمام للمصلحة الإلهية حتى لا يكلف هذا العظيم بالدفاع والجهاد
في سبيل الله في تلك الأيام لكي يستطيع في المستقبل أن يحمل الحمل الثقيل
للأمانة والإمامة على عاتقه، ويبقى حيّاً بعد والده لمدة 35 أو 34 سنة
ويقضي أصعب عصور الإمامة عند الشيعة
. أنتم عندما تنظرون الى ماضي حياة الإمام السجاد (ع) سوف تجدون حوادث متنوعة وملفتة جداً، كما حدث لبقية أئمتنا، حتى أننا اذا جمعنا سيرة الأئمة (عليهم السلام) معاً فلن نجد مثل سيرة الإمام السجاد (ع).

إن سيرة كل إنسان بالمعنى الواقعي للكلمة تتضح عندما نعرف التوجه العام له ومن بعدها نقوم بملاحظة الحوادث الجزئية في حياته.
فإذا عُرف التوجه العام فإن الحوادث الجزئية سوف يصبح لها معنى، أما اذا
لم يعرف ذلك التوجه العام او فهم خطأ فإن تلك الحوادث الجزئية سوف تصبح
بدون معنى او بمعنى خطأ. وهذا لا يختص فقط بالإمام السجاد (ع) او سائر
أئمتنا (عليهم السلام) بل إن هذا يصدق وينطبق على سيرة كل انسان.

مثلاً في خصوص الإمام السجاد (ع) نجد أن رسالته الى محمد بن شهاب الزهري تعتبر نموذجاً لإحدى الحوادث في حياته.
فلو أخذنا هذه الحادثة بنفسها وبمعزل عن بقية الحوادث في تلك المرحلة، لا
يمكن أن نفهم شيئاً. فقد تكون هذه الرسالة من أحد الذين ينتسبون الى آل
الرسول (ص) لأحد العلماء المعروفين في ذلك الزمان وهي تمثل جزءً من جهاد
واسع وأساسي، ويمكن أن تكون صادرة عن مفكّر عادي، او يمكن أن تكون اعتراض
شخصية على شخصية أخرى كالاعتراضات التي تشاهد على طول التاريخ بين شخصيتين
او عدة أشخاص. وهذا ما أردت أن أشير اليه في هذه
المسألة وهو أننا اذا التفتنا الى الحوادث الجزئية وقطعنا النظر عن التوجه
العام في حياة الإمام فلن تفهم سيرة الإمام، فالمهم أن نعرف التوجه العام.


نذكر بحثنا الأول بشأن التوجه العام للإمام السجاد (ع) في الحياة ونقرنه
بكلماته وحياته، وايضاً بالمفهوم العام عن حياة الأئمة (عليهم السلام) ثم
نوضحه.



الصورة العامة لحياة الإمام السجاد (ع)

كان الإمام السجّاد (ع) ما بين استلامه للإمامة في عاشوراء 61 هــ واستشهاده مسموماً في سنة 95 هــ
يتابع إنجاز هدف إقامة حكومة أهل البيت. لذلك ينبغي أن نفسّر جزئيات عمل
الإمام والمراحل التي مرّ بها والاساليب التي اتبعها والتوفيقات التي حصلت
وكل الكلمات التي بينها وكل التحركات التي قام بها والأدعية والمناجاة التي
جاءت بصورة الصحيفة السجادية.. كل هذه ينبغي أن تفسّر بالنظر إلى الخط
العام. كذلك المواقف التي اتخذها طوال مدة الإمامة:

1 ــ موقفه من عبيد الله بن زياد ويزيد الذي تميز بالبطولة والشجاعة والفداء.

2 ــ موقفه الذي تميز بالهدوء من مسرف بن عقبة، هذا الذي قام بتدمير المدينة واستباح أموالها بأمر من يزيد في السنة الثالثة من حكمه.

3 ــ حركة الإمام مقابل عبدالملك بن مروان أقوى خلفاء بني أمية وأمكرهم، حيث تميز موقفه بالشدّة حيناً والاعتدال حيناً آخر.

4 ــ موقف الإمام (ع) من عمر بن عبدالعزيز.

5 ــ تعامل الإمام مع أصحابه وأتباعه ووصاياه لأصدقائه.

6 ــ موقف الإمام من وعّاظ السلاطين وأعوان الظلمة.

كل هذه المواقف والتحركات ينبغي أن تدرس بدقة. ووفق تصوري أرى أنه بالالفتات إلى النهج العام، فإن كل هذه الجزئيات والحوادث سوف تصبح لها معانٍ مناسبة وواضحة. وسوف
تجد عندها أن هذا الإنسان العظيم قد قضى كل حياته وسعيه في طريق الهدف
المقدس وهو إقامة حكومة الله على الأرض وتحقيق الإسلام، وقد استفاد من أنضج
وأفضل الوسائل، وتقدّم بالقافلة الإسلامية التي كانت بعد واقعة عاشوراء في
تشرذم وتفرّق مهول، وأنجز مهمته العظمى ومسؤوليته الأصيلة
(التي
سوف نشير إليها بالتفصيل لاحقاً)، والتي قام بها كل الأئمة وجميع الأنبياء
والرجال الصالحون، مراعياً السياسة والشجاعة والدقّة في الأعمال. وبعد 35 سنة من الجهاد الذي لم يعرف الراحة رحل عن الدنيا كريماً مرفوع الرأس وقد حمل ثقل الرسالة ليَكِل هذا الأمر من بعده إلى الإمام الباقر(ع).

إن انتقال الإمامة إلى الإمام الباقر (ع) ومعها مهمة إقامة حكومة الله على الأرض تظهر بصورة واضحة في الروايات. ففي رواية نجد أن الإمام السجاد (ع) يجمع أبناءه مشيراً إلى محمد بن علي، أي الباقر (ع)، ويقول:

"احمل هذا الصندوق وخذ هذا السلاح وهذه الأمانة بيدك".

وحينما فتح الصندوق كان فيه القرآن والكتاب.

تصوري أن ذلك السلاح يرمز إلى القيادة الثورية وذلك الكتاب يرمز إلى الفكر والعقيدة الإسلامية،
وقد أودعهما الإمام السجاد (ع) ذلك الإنسان الواعي إلى الإمام الذي سيأتي
من بعده مودعاً الدنيا راحلاً إلى عتبة الرحمة الإلهية بذهن مرتاح ووجدان
هادئ ورأس مرفوع.

كانت هذه الصورة الكلية لحياة الإمام السجاد (ع). ولكننا لو أردنا أن ندرس
جزئيات الأحداث ينبغي، علينا أولاً أن نمهّد بالوضع السابق لها إذ يوجد في
حياة الإمام السجاد فصل قصير ومحدّّد نذكره أولاً ثم نقوم بعدها بشرح السير
العادي لحياة الإمام وتفصيل الأوضاع وأحوال الزمان والظروف التي كانت
موجودة.

الفصل المصيري القصير هو مرحلة ما بعد كربلاء، أي فصل الاسر الذي كان قصيراً ولكنه كان مؤثراً جداً ومعبّراً، حيث نجد في عين الأسر الصلابة والقوة. لقد
كان الإمام السجاد (ع) يرسم ملحمة بطولية عظيمة بأقواله وأفعاله خلال فترة
الاسر والمرض هذه، والتي تعتبر فترة مختلفة تماماً عن المرحلة الاصلية من
حياته، حيث اصبح الإمام يعمل على البنية التحتية باعتدال ودقة وهدوء، حتى إنه أحياناً كان يجلس مع عبد الملك بن مروان في مجلس واحد ويتصرف معه تصرفاً معتدلاً. أمّا
في هذا الفصل فإننا نشاهد الإمام بصورة ثورية هادرة بحيث انه لم يكن يسكت
على أي حديث صغير، وكان أمام الملأ يردّ بأجوبة تزلزل أركان العدو.


في سوق الكوفة أيضاً وبصوت واحد وزمان واحد يخطب الإمام هو وعمته زينب وأخته سكينة فيثورون الناس ويفشون الحقائق.

وفي الشام، في مجلس يزيد أو في المسجد المقابل لجميع الناس يبيّن الإمام الحقائق بأبلغ بيان، بحيث
تضمّنت خطبه وكلماته حقانية أهل البيت بالخلافة وأفشت جرائم النظام الحاكم
وبينت مدى التخدير الشديد الذي يمارسه النظام ضد الناس الغافلين.
ولا يوجد مجال هنا لذكر الخطبة وإماطة جزء من اللثام عن معانيها، لأن هذا عمل مستقل ومنفصل عن موضوعنا، ولكن ينبغي لكل من يريد أن يفسر هذه الخطبة أن يدرسها كلمة كلمة بالالتفات إلى هذه الأصول. تلك كانت حالة الإمام السجاد (ع) في مرحلة الأسر العصيبة.



مرحلة ما بعد الأسر

قد يطرح سؤال هنا وهو أنه لماذا يقوم
الإمام السجاد (ع) في مرحلة ما بعد الأسر بالاعتدال والتقية ويقضي بالدعاء
والاعمال المعتدلة على التحركات الثورية والشديدة، وفي مرحلة الأسر يتصرف
بشدة وقوة ووضوح؟


والجواب أن مرحلة الاسر كانت فصلاً
استثنائياً، حيث كان الإمام السجاد (ع)، بمعزل عن كونه إماماً ينبغي أن
يهيئ أرضية للحركة لإقامة الحكومة الإلهية والإسلامية، كان اللسان الناطق
للدماء المسفوكة في عاشوراء، فالإمام السجاد (ع) لم يكن هنا في الحقيقة بل
كان لسان الحسين (ع) الصامت الذي تجلّى في هذا الشاب الثوري في الشام والكوفة.
فلو لم يكن الإمام السجاد (ع) شديداً وحاداً وصريحاً في بيان القضايا فلن
يبقى في الحقيقة مجال لعمله المستقبلي، لأن مجال عمله المستقبلي دم الحسين
بن علي (ع) الهادر، كما أن دم الحسين كان أيضاً ارضية للنهضات الشيعية في
طول التاريخ







وهكذا ينبغي أن يتم العمل أولاً على تحذير الناس، ثم في ظل هذا التحذير تبدأ المعارضة الأصولية والعميقة والبعيدة المدى، ولا يمكن أن يتحقق هذا التحذير إلاّ باللسان الحاد والشديد


لذلك كان دور الإمام السجاد (ع) في هذه المرحلة وكذلك دور زينب (ع) هو بيان ثورة الحسين بن علي (ع)،
إذ ان معرفة الناس بقتل الحسين ولماذا قتل وكيف قتل سوف تؤثر على مستقبل
الإسلام ومستقبل دعوة أهل البيت (ع)، بعكس الحال فيما لو لم يعرف الناس
ذلك. بناءً على هذا، فإنه ينبغي لأجل الإطلاع وتوسعة هذه المعرفة على مستوى المجتمع بذل كل ما يمكن بذله الى اقصى الحدود الممكنة. لهذا تحرك الإمام السجاد (ع) في هذا الاتجاه مثل سكينة ومثل فاطمة الصغرى ومثل زينب نفسها ومثل كل أسير (كل بقدر استطاعته). لقد اجتمعت كل هذه الطاقات حتى تنثر دم الحسين المسفوك في الغربة في كل المناطق الإسلامية التي مرّوا بها من كربلاء إلى المدينة. وحين دخل الإمام السجاد (ع) إلى المدينة كان
عليه أن يبيّن الحقائق أمام العيون والأنظار الباحثة والسائلة، وقد تم ذلك
في أوّل وصوله، لهذا كان هذا الفصل القصير مقطعاً استثنائياً في حياته.

المقطع التالي يبدأ حين يباشر الإمام السجاد (ع) حياته الاعتيادية في المدينة ، ويبدأ عمله من بيت النبي (ص) وحرمه. ولأجل بيان برنامج الإمام نحتاج إلى دراسة الأوضاع التي كانت سائدة وظروف زمانه أيضاً، ولذلك نوكل هذا الموضوع إلى حلقات تالية.







الأرضية الاجتماعية

عندما حدثت واقعة كربلاء، سيطرت على كافة العالم الإسلامي ــ حيث وصل الخبر وخاصة الحجاز والعراق ــ
حالة من الرعب والخوف الشديد بين الشيعة وأتباع الأئمة، لانهم شعروا أن
حكومة يزيد مستعدة أن تفعل أي شيء لإحكام قبضتها حتى ولو كان قتل الحسين بن
علي (ع) سبط الرسول الذي هو معروف بالعظمة والاعتبار والقداسة في كافة
أنحاء العالم الإسلامي.
هذا الرعب الذي ظهرت آثاره في الكوفة والمدينة، بلغ ذروته بعد مرور زمان معين إثر وقوع عدة حوادث أخرى ــ إحداها
حادثة

الحرة
ــ فسيطر جوّ القمع الشديد في منطقة نفوذ أهل البيت (ع) في الحجاز (وخاصة المدينة) وفي العراق (وخاصة الكوفة). فضعفت الاتصالات وصار أتباع الأئمة والمعارضون بالقوة لنظام بني أمية المعدودون في حالة ضعف وعدم ثبات.

وتنقل رواية عن الإمام الصادق (ع) أنه قال في الحديث عن الوضع في ذلك الزمان؟ "ارتدّ الناس بعد الحسين (ع) إلاّ ثلاثة".

وذكر في رواية أنهم خمسة، وفي البعض أنهم سبعة.

وفي رواية عن الإمام السجاد (ع) ــ يرويها أبو عمر المهدي ــ يقول سمعت عن الإمام أنه قال:

"وما بمكة والمدينة عشرون رجلاً يحبنا".

وقد نقلت هذين الحديثين حتى يتضح الوضع العام لعالم الإسلام بالنسبة
للأئمة وأتباعهم. فهذا القمع الذي حدث أوجد مثل تلك الحالة التي صار فيها
أتباع الأئمة (ع) متفرقين آيسين خائفين لا يملكون القدرة على التحرك. ولكن
في تلك الرواية يكمل الصادق (ع) القول:


"ثم إن الناس لحقوا وكثروا".


التنظيمات السرية

لو أردنا أن نفصل هذه القضية المذكورة أكثر لكانت على هذا النحو:

بعد واقعة شهادة الإمام الحسين (ع) صار الناس في خوف ورعب، لكن
ليس إلى درجة أن لا يبقى للتنظيمات التي أعدها أتباع الأئمة باقية، ودليل
ذلك أننا نرى أنه في الوقت الذي جاؤوا بأسرى كربلاء إلى الكوفة، شوهدت
التحركات التي تدل على وجود التنظيمات الشيعية.


وبالطبع عندما نتحدث عن “التنظيمات الشيعية السريةلا نقصد النمط الموجود للتنظيمات في هذا العصر، بل
المقصود تلك الروابط العقائدية التي كانت تصل الناس بعضهم ببعض وتحملهم
على التضحية والأعمال السرية، والتي تؤلف في أذهاننا مجموعة واحدة.

في تلك الأيام التي كان أهل البيت (ع) في الكوفة وفي إحدى الليالي يسقط حجر في السجن الذي كانوا فيه. وإذا بالحجر ورقة كتب عليها: “لقد
أرسل حاكم الكوفة رجلاً إلى يزيد في الشام حتى يعلم ماذا يفعل بكم، فإذا
سمعتم غداً ليلاً صوت تكبير فاعلموا أنكم ستقتلون هاهنا، وإذا لم تسمعوا
فاعلموا أن الوضع سيتحسن
”.

عندما نسمع مثل هذه القصة ندرك جيداً وجود شخص من أعضاء
هذه التنظيمات داخل الجهاز الحاكم لابن زياد وهو مطلع على ما يجري. ويمكنه
أن يصل إلى السجن ويوصل صوته إليه.


مثال آخر: عبدالله بن عفيف الأزدي الرجل الأعمى الذي قام بردة الفعل الأولى عند ورود الأسرى إلى الكوفة وأدى ذلك إلى استشهاده. وكذلك ما كنّا نرى في الشام عند اللقاء بأهل البيت من البكاء والملامة، وهذه الحوادث تكررت حتى في مجلس يزيد أيضاً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق